top of page

أفق واعد لصناعة البتروكيماويات في آسيا بمحركات صينية .. القارة لا تغرد خارج السرب

تعد البتروكيماويات عنصرا أساسيا لعدد لا يحصى من السلع الاستهلاكية، ويرتبط الطلب على البتروكيماويات ارتباطا وثيقا بالطلب الكلي للمستهلكين وإنفاقهم.

تعد البتروكيماويات عنصرا أساسيا لعدد لا يحصى من السلع الاستهلاكية، ويرتبط الطلب على البتروكيماويات ارتباطا وثيقا بالطلب الكلي للمستهلكين وإنفاقهم.

فالنشاط الاستهلاكي والنمو الاقتصادي والعولمة وما يرافقها من تضخم استهلاكي، والانتقال من الريف إلى المدينة وما يصاحب ذلك من توسع حضري، ونمو السكان وزيادة أعداد الفئات الشابة، وتنامي الحركة مع سهولة التنقل والمواصلات، وما يترافق مع ذلك كله من تحسن في مستويات المعيشة، خاصة في الأسواق الناشئة التي يوجد جلها في القارة الآسيوية وتحديدا شرق وجنوب شرق وجنوب القارة، كل هذا أدى إلى تنامي الطلب على البتروكيماويات في آسيا بشكل كبير، خاصة في العقدين الماضيين، وسط توقعات أن يسجل الطلب على البتروكيماويات نموا 4 في المائة في القارة الصفراء.

في 2020 ومع تفشي وباء كورونا تقلص معدل نمو الاقتصاد العالمي، ووفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي انكمش الاقتصاد العالمي 3.5 في المائة، مقارنة بنسبة نمو 2.8 في المائة عام 2019، كما انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 42 في المائة، ولم يشهد العالم هذا التراجع في الاستثمار الأجنبي المباشر منذ تسعينيات القرن الماضي، وبالطبع انعكس ذلك على الصناعات كافة، بما في ذلك صناعة البتروكيماويات في قارة آسيا، التي تأثرت نتيجة انخفاض الطلب وتعطل سلاسل الإمداد، وتأخير المشاريع، وانخفاض الإنفاق بشقيه التشغيلي والاستثماري.

ومع ذلك وعلى الرغم من جميع تلك التحديات، فإن الأفق كان واعدا لصناعة البتروكيماويات الآسيوية، ففي شهر مايو الماضي عقد في الهند مؤتمر صناعة البتروكيماويات الآسيوي، وشارك في المؤتمر قادة الصناعة في القارة، وخلص المشاركون إلى نتيجة واحدة وهي أن القارة الصفراء تكافح لتلبية احتياجات سكانها من المواد البتروكيماوية، خاصة أن أعداد قاطنيها في تزايد مستمر، ما يجعل مستقبل الصناعة زاهرا، رغم التحديات الجسام التي تواجهها.

يقول الدكتور دانيال بلوم، أستاذ الدراسات الكيميائية في جامعة مانشستر "القارة الآسيوية لا تغرد خارج السرب العالمي، فالمتوقع أن تشهد القدرة العالمية لإنتاج البتروكيماويات نموا كبيرا بحلول 2030، ومن المحتمل أن ترتفع من 2129 مليون طن سنويا في 2019 إلى 3029.1 مليون طن سنويا في عام 2030، وسيسجل الطلب على البتروكيماويات في آسيا نموا كبيرا، وقد ذكرت تقارير أن كهربة وسائل النقل والصناعة والتدفئة السكنية ستجعل قطاع البتروكيماويات المستهلك الرئيس للنفط الخام بحلول 2050 حيث سيستحوذ على 55 في المائة من الطلب على الوقود التقليدي، فاستخدام النفط الخام كمادة وسيطة لقطاع البتروكيماويات سينمو في ظل جميع السيناريوهات المحتملة، وسيأتي الارتفاع من زيادات كبيرة في استهلاك الخام في صناعة البتروكيماويات في الشرق الأوسط والصين والهند".

ويضيف "قدرة آسيا المتزايدة على تكرير النفط الخام لتلبية الطلب المتزايد عل السلع الاستهلاكية والوقود قد يكون محركا أيضا لمشاريع البتروكيماويات في آسيا".

تسهم منطقة آسيا والمحيط الهادئ بأكثر من 50 في المائة من إيرادات سوق البتروكيماويات العالمية، وشكلت المنطقة 50.3 في المائة من الإنتاج العالمي عام 2021، مقارنة بـ33 في المائة عام 2015، ويرجع ذلك إلى الطلب المتزايد من الصين ودول آسيا والمحيط الهادئ، وسط توقعات بأن يستمر هذا الاتجاه مستقبلا.

ويفسر أستاذ الطاقة في جامعة لندن إم. جي. دين هذا الوضع المميز للصين ودول آسيا والمحيط الهادئ في مجال صناعة البتروكيماويات أن عديدا من تلك البلدان لديها موارد معدنية قوية يمكن استخدامها لإنتاج هذه المنتجات، بالإضافة إلى امتلاكها العمال المهرة القادرين على التعامل مع عمليات الهندسة الكيميائية والإنتاج. وتسهل هذه القاعدة الواسعة من الخبرات على الشركات العاملة في المنطقة تطوير منتجات جديدة وتوسيع عملياتها.

ويقول إن "الهند تتمتع بإمكانات هائلة لنمو الطلب والمرجح أن يتضاعف الطلب على البتروكيماويات في الهند ثلاث مرات تقريبا بحلول 2040، حيث ستصل قيمة الصناعة إلى تريليون دولار وذلك على خلفية النمو الاقتصادي الذي تشهده البلاد وتدفق الاستثمارات، ويتوقع أن تجلب العقود المقبلة استثمارات تزيد قيمتها على 87 مليار دولار".

ويضيف "سيستمر قطاع الكيماويات الهندي في النمو بمعدل 1.2 إلى 1.5 مرة من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي مستقبلا، وستشهد الهند موجة من القدرات الإنتاجية الجديدة للبتروكيماويات حتى 2030 وذلك لتلبية الطلب المحلي المتزايد".

بالطبع يجعل المشهد الاجتماعي والاقتصادي من جنوب شرق آسيا منطقة ذات إمكانات بتروكيميائية جذابة، فتزايد عدد السكان الشباب ونمو القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، التي قدرتها بعض الدراسات في أربع دول فقط وهي ماليزيا والفلبين وتايلاند وفيتنام بـ 300 مليار دولار أمريكي، يعني زيادة القدرة التسويقية للصناعات البتروكيميائية في المستقبل القريب، وهو ما يجعل عديدا من قادة الصناعات التحويلية في العالم يعملون على الاستفادة من التكامل بين المصافي وصناعة البتروكيماويات لوضع أنفسهم في قلب هذا السوق.

وإذا كانت الصين تحتل مكانة مميزة في مجال الصناعات البتروكيميائية، فمن وجهة نظر عديد من الخبراء لا يمكن تجاهل موقع اليابان في تلك الصناعة، إذ تمتعت شركات الكيماويات اليابانية تاريخيا بأداء صناعي قوي، وقد نما معدل العائد الإجمالي 7.5 في المائة سنويا خلال الفترة من 2018 إلى 2021.

من جهته، يقول المهندس سي.دي. جونسون من شركة روبنسون إنترناشونال للمنتجات البترولية والبتروكيماويات "من أجل الحفاظ على مكانة قوية في المشهد الحالي لصناعة البتروكيماويات تستطيع الشركات اليابانية تنمية أسواق جديدة من خلال ابتكار نموذج جددي للأعمال، يعتمد على إعادة هيكلة منتجاتها للتحول إلى مجالات ذات نمو مرتفع وصناعات استخدام نهائي أكثر ربحية، مثل السيارات والإلكترونيات، التي تستهلك إلى حد كبير المواد الكيميائية المتخصصة، وللترويج لهذه المنتجات بشكل أفضل سيكون التسويق أيضا أمرا أساسيا، فشركات الكيماويات اليابانية تنفق حاليا 3.5 في المائة من إيراداتها على التسويق، وذلك أقل من الشركات المتخصصة العالمية، التي تنفق 5.8 في المائة من إيراداتها على التسويق".

مع هذا، فإن الآفاق الواعدة لصناعة البتروكيماويات في الهند، والمكانة المميزة التي تتمتع بها في اليابان، والمستقبل الباهر المتوقع للصناعة في كثير من بلدان شرق وجنوب شرق آسيا، لا ينفي أن الحديث عندما يطول السعة العالمية للبتروكيماويات وتوقعات الإنفاق الرأسمالي خلال الفترة من 2020 إلى 2030، يجعل الصين تحتل موقعا خاصا في تلك الصناعة الاستراتيجية.

فقد تعهدت الصين بتطوير عالي الجودة للصناعات البتروكيماوية والكيميائية خلال فترة الخطة الخمسية الـ14 والممتدة من الفترة 2021 إلى 2025، وتتطلع السلطات الصينية إلى توسيع سلسلة صناعة البتروكيماويات بإنشاء 30 مصنعا تجريبيا للتصنيع الذكي و50 مجمعا تجريبيا ذكيا.

بدوره، يقول الدكتور دي. آر سميث، أستاذ التجارة الدولية في جامعة ديندي "على الرغم من استثماراتها المكثفة في القدرات البتروكيماوية، فمن المرجح أن تظل الصين واحدة من أكبر مستوردي البتروكيماويات في العالم، خاصة مع استمرار الطلب في تجاوز طاقتها الإنتاجية، وتتيح إمكانية تصدير المنتجات البتروكيماوية إلى الصين فرصا كبيرة للنهوض بمشاريع البتروكيماويات في البلدان الآسيوية الأخرى".

ويضيف "شهدت صناعة البتروكيماويات الصينية زيادة في الإيرادات العام الماضي، وسجلت الصناعة إجمالي إيرادات بلغت نحو 2.41 تريليون دولار بزيادة 14.4 في المائة على أساس سنوي، كما ارتفع حجم واردات وصادرات المنتجات البتروكيماوية 21.7 في المائة على أساس سنوي أيضا، وحققت أكثر من تريليون دولار".

لا يزال الطلب الصيني يجعل منها أكبر مستهلك للبتروكيماويات في العالم والمحرك الأساسي للطلب خاصة في آسيا، وستكون الزيادة في الإنفاق الاستهلاكي بعد تخفيف القيود، التي فرضت خلال فترة جائحة كورونا، والأوضاع الراهنة في القطاع العقاري مؤشرا رئيسا للطلب المحلي على البتروكيماويات في الصين في 2023، وهو طلب تؤكد أغلب التقديرات الموثوق بها أنه آخذ في الازدياد، ما يفتح الباب على مصراعيه للقوى الدولية الراغبة في الاستثمار في هذا المجال في تعزيز مكانتها الاستثمارية في الصين.

٠ تعليق

Comments


bottom of page