بعد توتر الأوضاع في مدينة الحصاحيصا الواقعة بين ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة والعاصمة السودانية الخرطوم صباح الأربعاء، خرجت أسرة أحمد شريف من المدينة مع المئات من الأسر الأخرى لكن دون وجهة محددة، حيث يفتقد الفارون من القتال لبوصلة تحدد وجهتهم في ظل انحسار خارطة المناطق الآمنة بسبب اتساع رقعة الحرب بشكل سريع في معظم أقاليم البلاد خصوصا المناطق الوسطى الشاسعة المساحة.
ويقول محمود، الابن الأكبر لأسرة شريف "قررنا استخدام مركب خشبي صغير لعبور نهر النيل الأزرق ومحاولة الاتجاه شرقا بحثا عن منطقة آمنة نحط فيها الرحال ولو بشكل مؤقت.. بعد معاناة شديدة ويومين من السفر استخدمنا خلالهما الدواب تارة، والشاحنات القديمة تارة أخرى، تمكنا من الوصول إلى تخوم مدينة القضارف، التي تبعد نحو 240 كيلومترا من ود مدني، لكن بمجرد وصولنا تفاجأنا بسابقينا وهم يعدون العدة للذهاب إلى مكان آخر وسط شائعات عن قرب اندلاع معارك في المدينة التي ظلت حتى دخول الشهر التاسع بعيدة عن مناطق القتال".
ويضيف "يبدو أننا سنكون في حالة فرار دائم، لأن رقعة التوتر تتسع يوما بعد يوم، وبشكل سريع جدا".
ويعيش الملايين من السودانيين العالقين وسط كماشة القتال المستمر منذ منتصف أبريل بين الجيش وقوات الدعم السريع حالة من "التوهان" في ظل تدهور مريع في الأوضاع الإنسانية والصحية.
ووفقا لنازك ابنعوف، رئيسة منظمة أطباء السودان لحقوق الإنسان (مكتب الخرطوم)، فإن الخطر الحقيقي يكمن في أن معظم النازحين يعانون من مشاكل صحية، وبعضهم انقطعت عنه خدمات طبية منقذة للحياة مثل غسيل الكلى والعناية المكثفة لمرضى القلب، بعد خروج كامل مستشفيات المناطق الوسطى الرئيسية مثل ود مدني والحصاحيصا عن الخدمة تماما بسبب الأوضاع الأمنية السائدة حاليا.
وتوضح ابنعوف "يموت يوميا العشرات من المرضى بسبب فقدان الرعاية الصحية والمأوى الآمن".
وتشير المسؤولة الطبية إلى نفاد المخزون الدوائي في العديد من المناطق، مع انعدام الأمل في ظل سحب وكالات الأمم المتحدة لفرقها وأنشطتها بسبب اتساع رقعة الحرب في ولاية الجزيرة التي كانت تشكل مركزا لوجستيا مهما للخدمات الإنسانية والصحية بعد إغلاقها في الخرطوم منذ أكثر من 8 أشهر، وخروج نحو 95 في المئة من المستشفيات هناك عن الخدمة.
وتظهر صور، نشرها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، تكدسا كبيرا للفارين الجدد من وسط البلاد في العديد من مدن شرق السودان مثل القضارف وكسلا التي تبعد نحو 500 كيلومتر عن العاصمة الخرطوم.
وأدى اتساع القتال إلى تحول أكثر من 60 في المئة من مدن وولايات السودان إلى مناطق حرب، مما فاقم من الأوضاع الإنسانية بشكل كببر، وسط تقارير تشير إلى حاجة أكثر من 25 مليون من سكان البلاد البالغ عددهم نحو 42 مليون نسمة لمساعدات غذائية عاجلة.
ويعتبر الأطفال أكثر الفئات تضررا من القتال الحالي، ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، فقد أجبر تصاعد القتال في ولاية الجزيرة أكثر من 150 ألف طفل على ترك منازلهم خلال أسبوع واحد فقط.
ويعيش ما يقدر بنحو 5.9 مليون شخص في الولاية نصفهم تقريبا من الأطفال.
Comentários