top of page

بارنييه: الاتحاد الأوروبي ليس الاتحاد الذي تركته بريطانيا

يصل ميشيل بارنييه وهو يحمل، بالطبع، مجلدين مليئين بالأوراق. طويل القامة ومهذب، يعرف المفاوض السابق بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قوة المظاهر.

بارنييه: الاتحاد الأوروبي ليس الاتحاد الذي تركته بريطانيا

خلال المحادثات، أوجد جوا من السلطة الأخلاقية، حيث رأى مؤيدو البقاء في الاتحاد فيه صوت العقل، حتى أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي احترموه على مضض. فقد قال نايجل فاراج المحبط "أتمنى أن نتمكن من توظيفه". احتفظ بارنييه بهدوئه، بينما كان نظراؤه البريطانيون ينفجرون غضبا ويلومونه على ذلك. قال بارنييه "أنا لست هادئا دائما -اسأل زوجتي أو أطفالي- لكنني قررت في البداية أن أكون هادئا. كنت أعرف أنه من الممكن أن تكون حقيقة كوني فرنسيا نقطة ضعف، وكنت أعلم أنني سأكون في نيران الصحف الشعبية. كانوا ينتظرون أن أغضب. وقد حاولوا إغضابي عدة مرات". كان بارنييه ناضجا نظرا لتقدمه في السن ورحلاته في جبال الألب الفرنسية. في عام 2020، أشارت بعض الصحف البريطانية إلى أنه ربما كان "المريض الأول" في داونينج ستريت، ومن عدى بوريس جونسون رئيس الوزراء. ابتلع غضبه. مسيرة الرجل البالغ من العمر 72 عاما مؤطرة بإنجازين: تنظيم دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في ألبرتفيل عام 1992، التي يذكرها بشكل متكرر بشكل مدهش، والتفاوض على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. يقول "إن إنجاز ألبرتفيل كان إيجابيا، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سلبيا. وأرى أن المملكة المتحدة لم تفز في أي منهما". بارنييه لم ير النكتة في ذلك. ويقول بهدوء يمكن التنبؤ به "الفوز بالنسبة إلى المملكة المتحدة في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية أصعب مما هو عليه في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية". لكن، مثل ديفيد كاميرون، رئيس وزراء المملكة المتحدة السابق الذي عاد إلى الخطوط الأمامية للسياسة الأسبوع الماضي، فإن بارنييه لم ينته بعد. فقد حاول وفشل في أن يصبح مرشح يمين الوسط في الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2022. والآن يحث يمين الوسط على التوحد لدرء مارين لوبان. عبر قيامه بذلك، خيب آمال زملائه القدامى في بروكسل وأولئك الذين كانوا يرونه رمزا لمبادئ الاتحاد الأوروبي غير القابلة للمساومة. فقبل انتخابات عام 2022، ادعى مفوض الاتحاد الأوروبي السابق مرتين أن الهجرة "خرجت عن السيطرة". واقترح أن تعلق فرنسا جميع أشكال الهجرة من البلدان غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمدة ثلاثة إلى خمسة أعوام. يقول النقاد "إن بارنييه انضم إلى الموجة الشعبوية التي كان يحتقرها في السابق". ويرد قائلا "لقد كنت أوروبيا قبلهم، وسأظل أوروبيا بعدهم". كما يلقي باللوم على محكمة العدل الأوروبية في الحد من حرية البلدان في التصرف باسم الأمن القومي وتوسيع حقوق المهاجرين في جلب أفراد أسرهم، "لا يمكنك العثور على أي شيء في الدستور الفرنسي يتعلق بالهجرة، ولا يوجد شيء تقريبا في المعاهدات الأوروبية. لمدة 30 أو 40 عاما، كان هناك نوع من التفسير الذي يكون دائما في مصلحة المهاجرين.. علينا إعادة كتابة شيء ما في معاهدات الاتحاد الأوروبي أو في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان". إذن فهو يأمل في إصلاح الاتحاد الأوروبي، كما فعل كاميرون عام 2015، يقول "علينا إثارة نقاش على المستوى الأوروبي.. خلال هذا الوقت، يتعين علينا إنشاء درع دستوري (السماح للقانون الوطني بأن تكون له الأسبقية)، ومطالبة الشعب الفرنسي باتخاذ القرار". بعبارة أخرى، إجراء استفتاء يتضمن تحديد حصص الهجرة السنوية. ربما كان بارنييه معجبا كبيرا بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لدرجة أنه قرر تكرار التجربة. وهو يصر على العكس. "إذا لم نفعل ذلك -بما أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان غير محتمل وحدث- فقد يحدث شيء غير محتمل في فرنسا: انتخاب السيدة لوبان رئيسة". ويضيف بتكلف "ربما أنا الوحيد في فرنسا الذي يعرف على وجه التحديد سبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي". خلال عامين ونصف منذ تنحيه عن مسؤولياته بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فقد تراجعت هذه القضية في جدول أعمال الاتحاد الأوروبي. لكن في المملكة المتحدة، لا تزال هذه المشكلة دون حل. ففي استطلاعات الرأي الأخيرة، يقول 57 في المائة من الجمهور "إنه كان من الخطأ المغادرة"، 33 في المائة يعتقدون أنه كان قرارا صحيحا، ويقولون بهامش 58 في المائة مقابل 42 في المائة "إنهم سيصوتون للعودة إلى الاتحاد الأوروبي". ويتفكر بارنييه قائلا "يبدو لي أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قضية نقاش دائم في المملكة المتحدة. وهذا يعني أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يكن واضحا. فمنذ اليوم الأول، لم يكتف وزراء المملكة المتحدة بالتقليل من أهمية عواقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فحسب، بل لم يدركوا عواقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي". ويرفض الوعد الذي قطعه ديفيد لامي وزير خارجية الظل، بمراجعة اتفاقية التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي "صفحة تلو الأخرى" إذا تم انتخاب حزب العمال "حظا سعيدا" كما قال، لكنه يشعر بالود تجاه السير كير ستارمر زعيم حزب العمال، الذي يريد علاقات أوثق، وإن كان ذلك مع البقاء خارج السوق الموحدة والاتحاد الجمركي. يرى بارنييه "أعتقد أن ستارمر أوروبي مثلي.. وطني وأوروبي". تصف إحدى المذكرات من عام 2018 في كتاب بارنييه "مذكراتي السرية" خلال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستارمر بأنه السياسي البريطاني "الذي يثير إعجابي أكثر من غيره، لقدرته على أن يفهم بالتفصيل ما هو على المحك في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.. لدي شعور بأن كير ستارمر سيصبح يوما ما رئيسا لوزراء المملكة المتحدة". ويبدو أن خطة ستارمر، التي تتضمن اتفاقية تجارة الحيوانات ومنتجاتها بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي "واقعية وممكنة". ويريد بارنييه منه أن يذهب إلى أبعد، بما في ذلك إبرام معاهدة دفاعية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ولخريطة طريق مشتركة للسلام في الشرق الأوسط. يقول "لدينا -فرنسا والمملكة المتحدة على وجه الخصوص، لكن أيضا إيطاليا وإسبانيا وبعض البلدان الأخرى- مسؤولية تاريخية". يسارع بارنييه إلى تقديم تفاصيل عن أخطاء التفاوض السابقة التي ارتكبتها المملكة المتحدة. فقد أمضى الأشهر التسعة التي سبقت بدء محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو عام 2017 في التحضير مع فريقه "لا أعتقد أن المملكة المتحدة فعلت الشيء نفسه". حيث أشار ديفيد ديفيس، أول وزير لشؤون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان باستطاعة لندن الاحتفاظ بمقر اثنتين من الهيئات التنظيمية الرئيسة. "مستحيل تماما، يبدو لي أن هناك نقطة ضعف كبيرة: أن تخلط بين رغباتك والواقع". ثم كان هناك إلغاء تيريزا ماي للاتحاد الجمركي وعضوية السوق الموحدة منذ البداية "كان بارنييه مندهشا"، والتزام بوريس جونسون بمغادرة الاتحاد الأوروبي في موعد محدد. "كان ذلك خطأ فادحا. لم يكن لديه وقت". عندما شبه جيريمي هانت، وزير الخارجية، الاتحاد الأوروبي بالاتحاد السوفياتي، كتب بارنييه في مذكراته "ما الفائدة من الجدال مع جيريمي هانت؟". لقد كان ودودا مع ديفيس، وهو سياسي ثرثار مثله، لكنه فقد كل الثقة في ديفيد فروست، مفاوض جونسون العدواني في محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بسبب تهديده بخرق معاهدة الانفصال التي وافق عليها للتو. هل اعتقد بارنييه يوما أنه يمكن أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاقية؟ "نعم، عندما فشلت تيريزا ماي للمرة الثالثة في التوصل إلى اتفاق في مجلس العموم". لكن في ظل رئاسة جونسون، بدا عدم التوصل إلى اتفاق بمنزلة خدعة. فقد "قال جونسون ذات مرة: أريد اتفاقية لأنني بحاجة إلى اتفاقية". وكانت هذه الجملة محورية بالنسبة إلي.. لم أفاجأ من استراتيجية الرجل المجنون. لقد قيل لي إن هذه الاستراتيجية يتم تدريسها في الجامعات في المملكة المتحدة". كان أسلوب بارنييه منهجيا. فعندما كان مراهقا، راسل جورج بومبيدو بعد الإطاحة به من منصب رئيس الوزراء الفرنسي، وتلقى ردا شخصيا. ومنذ ذلك الحين، قرر الرد على كل رسالة يتلقاها. وعلى نحو مشابه، التقى المشرعين بلا توقف بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بينما ترك مهمة السياسات لفريقه ليتولاها، خاصة نائبته سابين وياند. حيث يقول أحد المراقبين "لقد جعل كثيرا من الناس يشعرون بأهميتهم البالغة". والأهم من ذلك، لقد نجح بارنييه في الحفاظ على الاتحاد الأوروبي موحدا، حيث أقنع 27 بلدا عضوا بأن التماسك معا هو أفضل وسيلة لحماية مصالحها الخاصة. على سبيل المثال، كان لنحو ثماني دول فقط اهتمام مباشر بمصائد الأسماك "أخبرتني السيدة ميركل عدة مرات، (إنه ليس أمرا مهما للغاية بالنسبة إلينا، لكنني أفهم أنه مهم بالنسبة إلى السيد ماكرون)". "لم يفهم البريطانيون. لقد حاولوا كل أسبوع أن يفرقونا. فقد كنت أقوم بزيارة إحدى العواصم كل أسبوع: في اليوم السابق لمجيئي، كان هناك وزير بريطاني، وفي اليوم التالي. وهذا أمر لا يصدق. خسارة الوقت"، لقد تم الآن ترسيخ نهج بارنييه كطريقة للمفوضية الأوروبية للتعامل مع المفاوضات الخارجية نيابة عن الدول الأعضاء وبرلمانها. وفي فبراير، اتفقت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على إطار وندسور للحد من عمليات التفتيش على البضائع التي تعبر البحر الأيرلندي. هل يظهر هذا أن بارنييه كان مرنا للغاية بشأن هذه القضية؟ يعزو التسوية إلى كون ريشي سوناك "أكثر واقعية وجدية" من جونسون. ربما لعب السياق المتغير في ظل الحرب الأوكرانية دورا أيضا. ماذا عن قواعد المنشأ للسيارات الكهربائية؟ فالمفوضية تدرس تأجيل الرسوم الجمركية على مبيعات السيارات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. بارنييه "لا يؤيد أي نوع من المرونة"، معربا عن قلقه من أن ذلك سيشكل سابقة. "أنا على استعداد لأكون صريحا للغاية بشأن هذه النقطة.. وما يقال عن قواعد المنشأ يمكن أن يقال عن الخدمات المالية ومكافآتها من الخدمات. بريطانيا فقدت جواز السفر المالي: لن تكون هناك مرونة". عند استماعي لبارنييه، أتذكر نكتة البيروقراطي الفرنسي الذي يسأل عن فكرة خاصة بالسياسات: تنجح من الناحية العملية، لكن هل تنجح من الناحية النظرية؟ "ليس لدي روح انتقامية، ولا روح عقابية -أبدا- فقط لحماية مصدرنا الرئيس وربما أصلنا الوحيد: السوق الموحدة. إن السبب الوحيد وراء احترام السيد بايدن والرئيس الصيني لنا هو السوق الموحدة". ويقول "إنه لا يوجد مجال لأي مناورة بشأن إعادة فتح للاتفاقية التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة"، نظرا لخطوط ستارمر الحمراء، رغم أنه "من الممكن دائما تحسين أداء هذه الاتفاقية، في بعض النقاط الفنية". أحد الأمور التي يأسف عليها بارنييه أن المملكة المتحدة تركت برنامج إيراسموس لتبادل الطلاب. هل سيكون الانضمام مرة أخرى وسيلة لستارمر لإعادة بناء الثقة؟ "الباب مفتوح، خاصة بالنسبة إلى برنامج إيراسموس". هل ستخرج لوبان فرنسا من الاتحاد الأوروبي؟ يشير بارنييه إلى أنها احتفلت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي باعتباره "انتصارا". "إنها قادرة، مثل فاراج، على إخفاء ما تريد القيام به. لكنني أعتقد أنها لم تغير رأيها". ويجادل بأن الاتحاد الأوروبي بدأ في مواجهة الشعبوية، مشيرا إلى توظيف عشرة آلاف من حرس الحدود واستخدام الاقتراض المشترك لإنشاء صندوق للتعافي من كوفيد. "لم يعد الاتحاد الأوروبي اليوم هو الاتحاد الأوروبي الذي تركته المملكة المتحدة. لقد بدأنا في استخلاص الدروس من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي". لكن الكتلة تعاني حالة عجز بسبب الجمود الفرنسي-الألماني. "لم يكن هذا التعاون سهلا على الإطلاق، باستثناء مرة واحدة عندما كان الزعيمان صديقين، فاليري جيسكار وديستان وهيلموت شميدت". كما يشعر بالتفاؤل بشأن الدور الذي تلعبه بولندا تحت قيادة دونالد تاسك. فهو يؤيد عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي، لكنه يعتقد أنه ينبغي الانتظار حتى تصبح "مقبولة" لدى شعوب الكتلة. كما أنه يدعم فكرة إيمانويل ماكرون حول أن المجتمع السياسي الأوروبي يمكن أن يوفر إطارا لعلاقات أوثق مع البلدان غير الأعضاء كالمملكة المتحدة. يريد بارنييه، الذي تم انتخابه لأول مرة لمنصب عام قبل 50 عاما، أن يتحد حزبه الجمهوريون وحزب النهضة بزعامة ماكرون وآخرون خلف مرشح واحد من يمين الوسط للرئاسة عام 2027. فهل يكون هو؟ يقول، بعد ارتباك قصير "ليست هذه المشكلة الآن". إنني أصر. "فهي ليست مسألة تخص أفرادا معينين في الوقت الراهن". فيما يتعلق بهذه النقطة على الأقل، قد يرى بارنييه مجالا للمرونة.

٠ تعليق

Comments


bottom of page