يعتزم الرئيس الأمريكي جو بايدن تقديم بديل أمريكي مغر لمواجهة النفوذ الصيني، عبر إبرام عدد من الاتفاقات، تأتي ضمن منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ "أبيك" التي يشكل أعضاؤها نحو 60 في المائة من إجمالي الاقتصاد العالمي.
وفي سياق ذلك، التقى بايدن نظيره المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور في سان فرانسيسكو لمناقشة مسألة الهجرة على هامش قمة "أبيك" التي سلطت الضوء على خطوط الانقسام الجيوسياسية من أوكرانيا إلى غزة. وأكد في اليوم الأخير من القمة التي عقدت في سان فرانسيسكو للرئيس المكسيكي "لا يمكن أن يكون لدي شريك أفضل منكم"، وفقا لـ"الفرنسية" أمس. وأضاف "أنا أدرك أنه ليس سهلا التعامل مع أزمة الهجرة على طول الحدود الأمريكية - المكسيكية، وهي مسألة حاسمة بالنسبة إلى الديمقراطي الذي يسعى للفوز بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024. من جهته، تعهد الرئيس المكسيكي بمكافحة تهريب الفنتانيل، وهي مادة أفيونية صناعية تسببت في مقتل عشرات الآلاف في الولايات المتحدة. وقال لبايدن "إنه "يدرك الضرر الذي تلحقه الفنتانيل بشباب الولايات المتحدة". وعقد هذا اللقاء غداة اجتماع بين الرئيسين المكسيكي لوبيز أوبرادور والصيني شي جين بينج، وهو ما يؤشر إلى المنافسة الشديدة في المنطقة بين الولايات المتحدة والصين. وقد استثمرت بكين بكثافة في كثير من البلدان الناشئة، بما في ذلك أمريكا اللاتينية، في إطار برنامج لتمويل البنية التحتية يسمى "طرق الحرير الجديدة". فيما يتعلق بالمكسيك، فإن لدى الرئيس الأمريكي أولوية أخرى تتمثل في الاستجابة لوصول مهاجرين بأعداد كبيرة عند الحدود بين البلدين البالغ طولها أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر. ويسعى الرئيس الأمريكي إلى الفوز بولاية ثانية، لكنه يواجه هجمات متكررة من خصومه السياسيين على خلفية سياسته الخاصة بالهجرة، واستياء متزايدا من بعض المسؤولين الديمقراطيين. ويؤكد بايدن أنه يريد التصرف "بإنسانية" في هذا الملف، في حين أنه يتخذ في الواقع قرارات تقيد بوضوح الوصول إلى الأراضي الأمريكية. وشكر الرئيس المكسيكي الملقب "أملو" الجمعة نظيره الأمريكي على إنشاء قنوات هجرة قانونية. وقال أيضا "إنه على علم تام بالأضرار التي تسببها مادة الفنتانيل في الولايات المتحدة". في غضون ذلك، تمكن الرئيس الصيني شي جين بينج من إضفاء طابع استثنائي على زيارته الولايات المتحدة، انطلاقا من اللقاء المطول مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، مرورا بالتصفيق الحار الذي قوبل به من رؤساء الشركات، وصولا إلى "دبلوماسية الباندا". غير أن العبرة تبقى في ترجمة ذلك إلى أفعال، وفقا لخبراء. ويقول هؤلاء "إنه بخلاف بوادر حسن النية والكلمات الطيبة، لم تقدم الزيارة ما يوحي بأن الصين ستغير أسلوبها جذريا"، مشيرين إلى أنه يجب أن تتبع الزيارة بإجراءات ملموسة إذا أراد الرئيس الصيني استخلاص الفوائد في مواجهة التباطؤ الاقتصادي في الصين وهروب رؤوس الأموال الأجنبية منها. ومما لا شك فيه أن الرئيس الصيني خص بموقع مهم في سان فرانسيسكو، حيث شارك في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ "أبيك". وأثمرت هذه الزيارة عديدا من الاتفاقيات مع الولايات المتحدة، بما في ذلك استئناف الاتصالات العسكرية بين البلدين، فيما يشكل علامة على نجاحها. ويقول ناثانييل شير المحلل في مركز "كارنيجي الصين"، "إنه بالنسبة إلى الصين، فإن قدرة شي على كسب موقع بارز في سان فرانسيسكو للتحدث مع قادة الأعمال الأمريكيين، تعد نجاحا في ذاتها". وفي السياق، أغدق الرئيس الصيني بالمجاملات. وقال خلال مأدبة عشاء مع مديري شركات مساء الأربعاء، من بينهم تيم كوك المدير التنفيذي لشركة "أبل" ولورنس فينك من شركة "بلاك روك"وألبيرت بورلا من "فايزر"، "إنه مستعد ليكون شريكا وصديقا للولايات المتحدة". كذلك، التقى إيلون ماسك الرجل الأغنى في العالم ومالك منصة إكس "تويتر" سابقا. ودعا شي في خطاب مكتوب الخميس، الشركات إلى الاستثمار وتعزيز وجودها في الصين، كما تعهد باتخاذ إجراءات "مطمئنة لتسهيل استثمارات وأنشطة الشركات الأجنبية في الصين". غير أن المستثمرين الأمريكيين يبدون حذرين في ظل التباطؤ الذي يشهده ثاني أكبر اقتصاد في العالم وضعف الثقة. من جهة أخرى، لم يشارك الرئيس الصيني شخصيا في القمة الموازية للرؤساء التنفيذيين لـ"أبيك"، حسبما أفادت شركة تريفيوم تشاينا في بيانها الإعلامي. ويضيف شير أن "الشركات متعددة الجنسيات تريد قبل كل شيء قدرة إضافية على التنبؤ القانوني والتنظيمي في الصين، وليس مجرد إعلان نوايا بشأن تبادل مربح للجانبين". وعلى المستوى السياسي، يمثل اللقاء الثنائي الذي امتد لأكثر من أربع ساعات مع جو بايدن نجاحا بالنسبة إلى شي جين بينج، وفقا للمراقبين. وقال كيفين رود السفير الأسترالي في الولايات المتحدة، "إن الولايات المتحدة والصين لديهما هدف مشترك يتمثل في استقرار علاقاتهما". وأضاف في حديث إلى صحافيين على هامش قمة "أبيك"، أن "هذا يعني إعادة فتح خطوط تواصل سياسية ودبلوماسية قديمة، والآن فتح خطوط عسكرية". وأضاف رئيس الوزراء الأسترالي السابق "في الخلاصة، يمكننا الحكم على النتائج عند العمل. الإطار موجود، وهو قابل للقياس عليه. كيف ستكون الممارسة العملية؟"، مشيرا على سبيل المثال إلى أن إعادة فتح خطوط الاتصال العسكرية ليست "إلا خطوة أولى". من جهة أخرى، تبقى الشكوك قائمة بشأن نوايا الصين فيما يتعلق بتايوان التي تعدها بكين جزءا من أراضيها، وما إذا كان الجيش الصيني سيغير سلوكه تجاهها. ويقول تشنج وانج من جامعة سيتي هول "إن زيارة شي الأولى للولايات المتحدة منذ ستة أعوام والقمة التي عقدها مع بايدن، تمثلان نقطة تحول محتملة في العلاقات الثنائية بعد أعوام من التوترات". ويضيف أن "علاقات مستقرة وبناءة بين الولايات المتحدة والصين ضرورية للطرفين". لكن بالنسبة إلى شير، كان بإمكان شي الذهاب "أبعد من ذلك بكثير" لطمأنة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بشأن نوايا الصين. ويخلص إلى أنه "إذا كان التجديد في الصين يعني رفض النظام الدولي القائم، فإن أي شيء يقوله القادة الصينيون في المنتديات الدولية لن يمنع الولايات المتحدة وشركاءها من السعي إلى إعاقة صعود بكين".
Comments