أصدرت الصين يوم الاثنين “الوثيقة المركزية رقم 1” والتي تعتبر أول بيان سياسات تصدره السلطات المركزية الصينية كل عام. وتركز الوثيقة على موضوع “الزراعة والمناطق الريفية والمزارعين”، بحيث ظل التركيز على الزراعة والمناطق الريفية على رأس جدول أعمال السلطات الصينية منذ عام 2004، ما يشكل دليلا على أن الصين تولي اهتماما بالغا بقطاع الزراعة لتحقيق التنمية الشاملة في البلاد.
تعتبر الصين من أكبر الدول الزراعية في العالم، إذ يشكل المزارعون حوالي 40% من سكانها البالغ عددهم حوالي 1.4 مليار نسمة، كما تعد الصين أكبر منتج زراعي في العالم، وتحافظ على إنتاج أكثر من 650 مليون طن من الغذاء لمدة ثماني سنوات متتالية، وتنتج نحو 10% من أراضيها الصالحة للزراعة، ما يكفي لخُمس سكان العالم.
على الرغم من التطور الذي شهدته الصين على مدى العقود الماضية، لا تزال الزراعة تلعب دورا رئيسيا في اقتصاد البلاد، وتبرز أهميتها في إنتاج الغذاء الذي يعد أمرا أساسيا وضروريا لبقاء الإنسان وتأمين الأمن والاستقرار الاجتماعي.
أثرت عوامل عديدة سلبا على الأمن الغذائي العالمي، بما فيها الصراع الروسي الأوكراني الذي نتج عنه تراجع الأمن الغذائي في بلدان العالم، ومنها دول عربية كاليمن ولبنان وتونس وفلسطين ومصر والعراق، فارتفعت أسعار المواد الغذائية الرئيسية، وترك ذلك تداعيات اجتماعية وأحيانا سياسية اختلفت في حدتها من دولة إلى أخرى. وأثرت التقلبات المناخية الشديدة والآثار الاقتصادية السلبية لتفشي جائحة “كوفيد-19” والآفات والصراعات الإقليمية على الأمن الغذائي العالمي.
ونظرا لأهمية الحفاظ على الأمن الغذائي، شددت الصين مرارا وتكرارا على ضرورة ضمان الأمن الغذائي في هذه السنوات، وأعطت “الوثيقة المركزية رقم 1” الأولوية للأمن الغذائي ومنع العودة إلى الفقر على نطاق واسع، وأكدت على أن القضايا المتعلقة بالزراعة والمناطق الريفية والمزارعين لا مجال للخطأ فيها.
ضمنت الصين الخط الأساسي للاكتفاء الذاتي من محاصيل الحبوب في العقود الماضية من خلال زيادة إنتاج الحبوب وتحديث صناعة الأغذية. ومن ناحية أخرى، شددت الصين على أهمية حماية الأراضي الزراعية ومنع استخدام الأراضي الصالحة للزراعة لأغراض أخرى. ولحماية الأراضي الزراعية، وطرحت الصين في عام 2006 “خطا أحمر” للأراضي الزراعية بحيث لا تقل مساحة الأراضي الزراعية عن 120 مليون هكتار. وأكدت الصين على أهمية ضمان أمن البذور وضرورة الاحتفاظ بموارد البذور في أيدي الصينيين، وتحقيق الاعتماد على الذات في تكنولوجيا البذور والتأكد من الاكتفاء الذاتي لموارد البذور الصينية. ومن الأمثلة على ذلك، أدت تربية الأرز الهجين إلى زيادة إنتاجية الأرز بشكل كبير. وتم تطبيق هذه العملية في أكثر من نصف حقول الأرز في الصين والعديد من دول العالم، وساهمت بشكل كبير في ضمان الأمن الغذائي للبلاد، كما ساعدت على تحسين الأمن الغذائي العالمي.
كما ذكرت الوثيقة زيادة زراعة بذور فول الصويا، لحل النقص في إنتاج فول الصويا وتخفيف الاعتماد الكبير على البلدان الأجنبية، ففي العام الماضي، وصل إنتاج الصين السنوي لفول الصويا إلى 20 مليون طن لأول مرة، محققا رقما قياسيا. وإضافة إلى ذلك، تسعى الصين إلى تحسين بناء البنية التحتية الزراعية، وتعزيز دعم العلوم والتكنولوجيا والمعدات الزراعية، بهدف تعزيز قدرتها على الاكتفاء الذاتي الغذائي لمواجهة عدم اليقين الناجم عن البيئة الخارجية وضمان الأمن الغذائي للصين وتحسين معيشة المزارعين من خلال دفع النهضة الريفية.
يعيش 75% من فقراء العالم في المناطق الريفية، ويعتمد معظمهم على الزراعة لكسب عيشهم. وساهم تطبيق إستراتيجية “النهضة الريفية” وتطوير الزراعة على انتشال ما يقرب من 100 مليون شخص من براثن الفقر في الصين، وقدم مساهمة كبيرة في الحد من الفقر في العالم.
تدرك الصين أن عملية تحديث وتنمية البلاد لا تزال شاقة وصعبة بسبب الأرياف، لذلك وضعت السلطات الصينية حل القضايا المتعلقة بالزراعة والمناطق الريفية والمزارعين على رأس أولوياتهم، لأنه يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني للبلاد ومعيشة المواطنين.
Comentarios