فاينانشيال تايمز : عذرا أمريكا .. اقتصاد الصين أكبر
- alarab-kwt
- 9 ديسمبر 2023
- 3 دقائق قراءة
لعلك شاهدت تقارير "فاينانشيال تايمز" الواقعية والدقيقة عن معدل النمو السنوي المذهل الذي حققه الاقتصاد الأمريكي الذي بلغ 5.2 في المائة في الربع الثالث من هذا العام. اسمحوا لي أن أقدم لكم نظرة متقدمة عما حدث في نوفمبر.

بعيدا عن الحديث عن النمو السريع أو الهبوط الناعم، فقد انكمش الاقتصاد الأمريكي بمعدل سنوي بلغ نحو 30 في المائة في ذلك الشهر وحده. إنه انكماش كبير جدا، لا بد أن الرئيس جو بايدن في ورطة، وربما يعني هذا نهاية الحلم الأمريكي.
لا تقلق. لم أفقد صوابي بعد. الحساب أعلاه صحيح، لكنه ليس عادلا. لقد قست الأداء الاقتصادي للولايات المتحدة في نوفمبر وحسبت ذلك باليورو أو الرنمينبي بعد تحويل الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي باستخدام أسعار صرف السوق. ثم حسبت النتيجة على أساس سنوي. الشيء الذي أدى إلى هذه النتيجة هو الانخفاض 3 في المائة تقريبا في قيمة الدولار الأمريكي خلال الشهر.
قد تكون على حق في اعتقادك أن هذه طريقة سخيفة لمقارنة الاقتصادات، ولكنها شائعة للغاية بين الأشخاص ذوي الخبرة. لنأخذ مارك كارني كمثال، وهو المحافظ السابق لبنك إنجلترا، قال إنه قبل استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان حجم اقتصاد المملكة المتحدة يعادل 90 في المائة من حجم الاقتصاد الألماني، لكنه انخفض إلى 70 في المائة بحلول أواخر 2022. وكان هذا التغيير بسبب الانخفاض النسبي للجنيه الاسترليني.
هل تذكرون القلق الأوروبي الذي نشره المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية بأن الاتحاد الأوروبي كان يتمتع باقتصاد أكبر من اقتصاد الولايات المتحدة في 2008، والآن أصبحت الولايات المتحدة أكبر بمقدار الثلث؟ كان ذلك مجرد ارتفاع بالدولار الأمريكي من أساس منخفض.
القائمة تطول. وفي ضوء هذه المقارنات السخيفة لأسعار الصرف في السوق، أفادت كثير من المؤسسات الإخبارية بأن اليابان ستفقد مكانتها كثالث أكبر اقتصاد في العالم لمصلحة ألمانيا هذا العام. ومن الواضح أن الولايات المتحدة لا تزال الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، مع فشل الاقتصاد الصيني في اللحاق بها.
أحد المتطلبات الأساسية للمقارنات الدولية هو أن تعطي البيانات المحلية والبيانات الدولية نتائج مماثلة، ولهذا السبب اخترعت مهنة الاقتصاد أسعار صرف تعادل القوة الشرائية، الأمر الذي سمح بإجراء مقارنات (غير مكتملة) على أساس السلع والخدمات التي يمكن شراؤها بالمال. وهذا مهم بالنسبة إلى الحجم الاقتصادي وحتى القوة العسكرية. تذكر أن الصين تمول جيش التحرير الشعبي باستخدام الرنمينبي.
تظهر أحدث بيانات صندوق النقد الدولي، قياسا على تعادل القوة الشرائية، أن الناتج المحلي الإجمالي الصيني تجاوز نظيره في الولايات المتحدة في الوقت الذي كان فيه دونالد ترمب "يجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى". وهي الآن أكبر 22 في المائة. الأرقام منطقية عندما تنظر إلى الأدلة الداعمة. مثلا، تجاوز توليد الكهرباء في الصين مثيله في الولايات المتحدة في 2010. وخلال الفترة ما بين 2016 و2022 عندما كان من المفترض أن الاقتصاد الصيني لم يحرز أي تقدم مقارنة بالولايات المتحدة، نما توليد الكهرباء 45 في المائة، في حين كان ثابتا على نطاق واسع في أمريكا.
عدم الاعتراف بالتحول المتغير في القوة الاقتصادية العالمية يريح كلا من الولايات المتحدة والصين. ولأنني من المملكة المتحدة، التي فقدت مكانتها الاقتصادية الأولى في أواخر القرن الـ19 ولكنها لا تزال تعاني بعض أوهام العظمة، أستطيع أن أفهم الإنكار الأمريكي. بالنسبة إلى الصين، فمن الأسهل أيضا أن تتجنب المسؤوليات المتعلقة بتغير المناخ، وتخفيف الديون وغير ذلك من السلع العالمية إذا كانت لا تزال قادرة على الحفاظ على مركزها الصغير. وفي أوروبا، من الملائم لأولئك الذين يريدون إصلاحات اقتصادية أن يسلطوا الضوء على الشعور بالتخلف عن الركب، لأن هذا قد يجعل التغيير يبدو أكثر إلحاحا.
لكن في نهاية المطاف، تؤدي المقارنات السيئة إلى تعزيز القرارات السيئة. سيكون من السهل على اقتصاد الاتحاد الأوروبي أن يصبح مرة أخرى الاقتصاد الأكبر على مستوى العالم في أسعار الصرف في السوق. كل ما يتعين على البنك المركزي الأوروبي أن يفعله هو رفع أسعار الفائدة بالقدر الكافي لدفع اليورو إلى الارتفاع إلى العتبة الكافية. وهذا من شأنه أن يجعل أوروبا تشعر بالتحسن مؤقتا، إلى أن تدرك أنها تعاني كل حالات الركود.
Comments