تزين تماثيل الفراعنة الضخمة على عروش الجرانيت الدرج الرئيس في المتحف المصري الكبير الجديد في القاهرة، بينما يحلق بهو فولاذي فوق المبنى، المصمم لجذب تيارات الهواء الباردة لتخفيف حرارة الصحراء.
يشارف المجمع الضخم، الذي يقع بالقرب من هضبة الأهرامات في الجيزة، على الانتهاء، ويكاد يكون جاهزا لإطلاقه المقرر العام المقبل – أي بعد مرور 20 عاما تقريبا على بدء تشييده.
وعدت القاهرة المتحف المصري الكبير أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة، ويعول على مشروع بقيمة 1.2 مليار دولار لتعزيز صناعة السياحة الحيوية في البلد.
كما يأمل علماء الآثار المصرية وعلماء الآثار أن يكون المتحف، بما يحتويه من 100 ألف قطعة أثرية فرعونية وعصور ما قبل التاريخ، ومختبرات الحفظ الحديثة والمرافق البحثية، بمنزلة مركز للدراسات الدولية.
قال أحمد عيسى وزير السياحة والآثار: "مثل أي متحف جيد، سيروي المتحف المصري الكبير قصة. وستدور هذه القصة حول كيفية إنشاء 30 أسرة حاكمة على مدى بضعة آلاف من السنين واحدة من أقدم الدول في التاريخ".
يضم مبنى المتحف 12 صالة عرض تغطي الفترات من عصور ما قبل التاريخ حتى نهاية العصر الروماني في مصر. سيتم منح مكانة الصدارة للكنوز التي تم العثور عليها في مقبرة الملك الصبي توت عنخ آمون، الذي عاش قبل 35 قرنا.
يتم عرض 5600 قطعة في مجموعة الملك في معرضين مخصصين لهذه الغاية، بما في ذلك الأضرحة المذهبة، والعربات، والتوابيت المطلية، والمجوهرات، والصنادل الجلدية حتى ملابسه الداخلية المصنوعة من الكتان.
وقال عيسى: إن المتحف "سيركز على الملكية وتكوين الدولة، وكيفية عمل المجتمع والقيم التي طورها المصريون القدماء لتحكم حياتهم، استعدادا للحساب والحياة الآخرة".
صممته شركة الهندسة المعمارية الأيرلندية هينيجان بنج، حيث تستحضر الخطوط القطرية للمتحف المصري الكبير والكتل غير المتماثلة والأشكال الهرمية جمالية الحضارة القديمة التي يحتفل بها.
يدخل الزوار عبر بوابات على شكل هرمي تحيط بها نقوش هيروغليفية تحمل أسماء حكام البلد القدماء، وتوفر النوافذ الضخمة إطلالات بانورامية على أهرامات الجيزة. ويهيمن تمثال يبلغ ارتفاعه 11 مترا للملك رمسيس الثاني، الذي كان يقف ذات يوم في ميدان في القاهرة، على واجهة الردهة.
تحيط سلسلة من الأهرامات الطويلة المقلوبة التي تصل إلى السقف بجوانب الدرج الكبير وكانت واحدة من أكثر عناصر التصميم تحديا، وفقا لشركة بيسيكس-أوراسكوم للإنشاءات، المشروع المشترك الذي بنى المتحف.
وقال جورج كيرلس، نائب مدير المشروع في الشركة: "كان بناؤها مهمة شاقة حقا. يوجد 23 هرما مقلوبا، وهي هياكل فولاذية تحمل المبنى... لكل منها ثلاثة جوانب، وفي مكان التقائها مع الهرم التالي والسقف يمكن أن يكون هناك ما يصل إلى 10 جوانب متلامسة في النقطة نفسها على ارتفاع 33 مترا. لا يمكنك أن تجد فيها حتى أدنى انحراف".
ويأمل وزير السياحة عيسى أن المتحف، الذي تم تمويله بشكل رئيس عن طريق القروض اليابانية، سيعيد تعريف القاهرة كوجهة حصرية لا كنقطة توقف على الطريق إلى الساحل أو إلى آثار صعيد مصر في أماكن مثل الأقصر. وقال: "تم افتتاح مطار جديد في مكان قريب، ويجري إنشاء خطوط نقل وفنادق".
وأضاف: "نأمل أن نرحب بما يصل إلى خمسة ملايين زائر في عامنا الأول، وأن تنمو الأعداد بمجرد أن يتحدث الأشخاص عن تجربتهم بعد أن يعودوا إلى بلادهم".
وقال عيسى: إن مصر تسير على الطريق الصحيح للوصول إلى هدفها المتمثل في جذب 15 مليون سائح بحلول نهاية العام، رغم عدم الاستقرار الناجم عن الحرب في غزة المجاورة، ومن شأن ذلك أن يتجاوز رقم 14.7 مليون عام في 2010، وهو أعلى رقم مسجل في البلد.
تعد السياحة مصدرا مهما للعملة الأجنبية في مصر، التي تعاني نقصا حادا بالدولار وعبء ديون ثقيل يعادل نحو 93 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لصندوق النقد الدولي. وتظهر أرقام صندوق النقد الدولي أن السياحة كانت تمثل 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وكانت توظف عشر القوة العاملة قبل جائحة فيروس كورونا مباشرة.
مركب الملك خوفو "الشمسي" الذي يبلغ عمره 4600 عام، أحد المعروضات الرئيسة الأخرى في المتحف. حتى أن نقل القارب المصنوع من خشب الأرز – المخصص للاستخدام من قبل الملك عندما يقوم في الحياة الآخرة أثناء رحلته مع إله الشمس رع – إلى المتحف كان إنجازا فذا، وفقا للجنرال عاطف مفتاح، كبير المهندسين العسكريين المشرف على البناء نيابة عن الحكومة.
وعدت السفينة، التي تم اكتشافها عام 1954 وكانت موجودة سابقا في متحفها الخاص بالقرب من الهرم الأكبر، هشة للغاية بحيث لا يمكن تحريكها وحذر علماء الآثار من تفكيكها.
لكن، مع إصراره على نقلها إلى المتحف الجديد، وضع مفتاح خطة تتضمن ربطها بمنصة داخل قفص فولاذي بني خصيصا لهذه الغاية ونقلها في "شاحنة ذكية" مستوردة. تحتوي الشاحنة على أجهزة استشعار تقوم بتقييم محيطها بشكل مستمر وتغيير ارتفاع ومحور العجلات لضمان بقاء الحمولة في وضع أفقي.
وقال مفتاح: "لقد ألهمني الله. لقد رتبنا لذلك لمدة ثمانية أشهر واختبرنا المسار مرتين باستخدام حمولات من الوزن نفسه والأبعاد. واستغرق إخراج القارب من المبنى الذي كان فيه يوما كاملا... ويوم آخر للسفر مسافة ثمانية كيلومترات إلى المتحف المصري الكبير. وفي اليوم الثالث رفعناه بالونش إلى مكانه الحالي".
في بلد يعاني ميزانية مرهقة ويحتاج للحفاظ على كثير من الآثار، يشعر البعض بالقلق بشأن تكلفة إدارة مثل هذا المتحف الضخم. وقال عيسى: إن الحل هو ابتكار "نموذج للشراكة بين القطاعين العام والخاص لإيجاد مصدر دخل مستدام".
وتعاقدت الحكومة مع حسن علام هولدنج، إحدى أكبر شركات البناء الخاصة في مصر، لتشغيل المتحف وإدارة المرافق التجارية مثل مركز المؤتمرات، ومناطق البيع بالتجزئة والمطاعم لزيادة الإيرادات. وسيشرف مجلس أمناء برئاسة وزير السياحة على هذا الترتيب.
لقد سمح للزوار بالدخول إلى ردهة المتحف منذ فبراير، إلا أن صالات العرض لا تزال محظورة. ولم يتم تحديد موعد محدد للافتتاح، لكن مفتاح أشار إلى أنه سيكون في عام 2024 عندما يتم الانتهاء من العمل في الشوارع المحيطة.
وقال: "سيكون حدثا ضخما سيتحدث عنه العالم بأكمله. سيحضره الملوك والرؤساء ورؤساء الدول".
Comments