top of page

مبادرة "رسم مصر" تتراجع بعد الحملة السياسية ضدها


مبادرة "رسم مصر" تتراجع بعد الحملة السياسية ضدها

قبل خمس سنوات تقريباً أطلق الفنان محمد حمدي أستاذ الرسم والتصوير في كلية التربية الفنية في القاهرة مبادرة تحت عنوان "رسم مصر". هدف المبادرة كما هو معلن هو الاهتمام بفنون مصر وتاريخها وإظهار جماليات هذا التاريخ بالرسم والفوتوغرافيا والفيديو.


منذ أطلق حمدي هذه المبادرة وهي تستقطب أعداداً لا بأس بها من الفنانين والطلبة من مختلف الكليات المتخصصة وغير المتخصصة، ويشارك فيها أفراد من محافظات مصرية بعيدة من القاهرة. تنظم المبادرة زيارات لأماكن ومعالم مختلفة في أنحاء القاهرة، يتمتع معظمها بطابع معماري مميز أو أهمية تاريخية. أسفرت هذه الزيارات منذ تدشين المبادرة عن مئات الأعمال الفنية على هيئة رسوم ولوحات وصور فوتوغرافية ومقاطع فيديو. تعرض صفحات المبادرة نماذج من هذه الأعمال بين الحين والآخر، ونظمت ثلاثة معارض جماعية حتى الآن للمشاركين فيها، ضم آخرها 200 عمل.

هذه الجولات الفنية الجماعية هي أحد الأنشطة الشائعة في كليات الفنون، وينظمها الأساتذة كوسيلة للتدريب والتعلم واكتساب المهارات. قد تتحول هذه الأنشطة إلى فعل منظم، أو تتوسع أحياناً خارج حدود الدراسة لتضم موهوبين لم يتسن لهم الالتحاق بأي من كليات الفنون. مبادرة "رسم مصر" لم تكن مقتصرة على طلبة الكلية وحدهم، وربما أسهم هذا الأمر في استمرارها والإقبال عليها، وحظيت أيضاً بمتابعة لافتة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن على رغم هذا الاستحسان لنشاط المبادرة فإن انتشارها ظل محدوداً في نطاق الوسط الفني والطالبي، إذ لم يسلط الضوء عليها إعلامياً بالقدر الكافي.


إنتشار وحملة


قبل أيام قليلة فقط تردد اسم المبادرة كثيراً على شاشات التلفزيون وفي الصحف المصرية، وظهر مؤسسها ضيفاً في العديد من البرامج، هذا الانتشار المفاجئ لمبادرة "رسم مصر" جاء على أثر الجولة الأخيرة للمشاركين فيها على مقابر الإمام الشافعي، وهي إحدى أقدم المقابر القاهرية. نظمت الجولة تحت عنوان "طالع إزالة"، وأعلن مؤسس المبادرة الفنان محمد حمدي حينها أن الزيارة بهدف رسم - وتسجيل - المدافن التي ستتم إزالتها أو هدمها.

تزامن هذا الإعلان مع تصاعد حدة السجال حول أعمال التطوير التي بسببها تزال هذه المدافن ذات الطرز المعمارية المميزة. خلال الفترة الأخيرة أزيلت المئات من المقابر التاريخية التي يرجع عمر بعضها لأكثر من 1000 عام، بهدف توسعة طرق أو إنشاء جسور علوية. بين هذه المقابر التاريخية مثلاً قبر الإمام ورش صاحب رواية "ورش لقراءة القرآن"، ومقابر أخرى لشخصيات شهيرة ومؤثرة في تاريخ الثقافة المصرية، كالشاعرين حافظ إبراهيم ومحمود سامي البارودي والأديبين يحيى حقي وطه حسين والفنان التشكيلي حامد ندا، وغيرهم.

لم تخفت حدة الاحتجاج على إزالة هذه المقابر على رغم استمرارها بوتيرة متسارعة. لهذا لقيت مبادرة "رسم مصر" تشجيعاً وتفاعلاً لدى العديد من رواد التواصل الاجتماعي، بخاصة بعد انتشار عدد من الصور لهذه المقابر تظهر القيمة الجمالية والتاريخية لبعضها. اعتبر بعضهم هذه المبادرة توثيقاً شعبياً لذاكرة مصر قبل اندثارها، وتعامل معها آخرون كنوع من الاحتجاج الصامت على سياسات هدم المعالم التراثية. أثارت المبادرة والصور التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي العديد من النقاشات التي شارك فيها فنانون ومعماريون ونشطاء وإعلاميون. واحتد السجال أحياناً بين ملتمسي الأعذار للحكومة المصرية في سعيها إلى تطوير القاهرة وتحديثها، وآخرين ملأتهم الحسرة على ما تهدم من معالم. يرى بعضهم أن ثمة حلولاً أخرى كان يمكن اللجوء إليها لتجنب هدم هذه الأضرحة، والتي يعتبرونها جزءاً من ذاكرة القاهرة، كما تحمل قيمة تاريخية بل واقتصادية أيضاً كان يمكن توظيفها.

وسواء كان الفنان محمد حمدي يقصد الاحتجاج أو أمراً آخر حين دعا إلى هذه الزيارة، فقد وجد نفسه بين يوم وليلة في بؤرة سجال لم يرتب له، ولم يكن حتى مستعداً لخوضه على ما يبدو، بخاصة بعد تداول أخبار المبادرة على منصات المعارضة المصرية في الخارج. للخروج من هذه الورطة اضطر حمدي إلى توضيح الأمر في بيان أصدره قبل أيام نافياً فيه الطبيعة الاحتجاجية لمبادرة "رسم مصر"، ومعلناً أن الزيارة تم استغلالها من بعض "المغرضين والمتربصين" الذين حاولوا إظهارها على غير ما تهدف إليه. كان الهدف من الزيارة كما يقول حمدي رسم أو تصوير هذه المعالم قبل "تفكيكها"، وليس الاحتجاج على هدمها أو إزالتها.

يصف حمدي مبادرة "رسم مصر" بأنها "مبادرة وطنية تهدف بالأساس إلى تعريف الشباب بتاريخ الوطن وفنونه، كما أنها ليست لها أية أهداف سياسية". لم يكتف مؤسس المبادرة بذلك بل تبرأ أيضاً من عنوان الجولة المعلن "طالع إزالة" الذي استخدمه هو نفسه في الدعوة إليها على صفحته الشخصية، مصرحاً بأن العنوان "ليس من كتابة أو اختراع مبادرة (رسم مصر)، بل هي عبارة كانت مكتوبة من الجهات المسؤولة على أحد المباني المقرر إزالتها". بعد هذه التجربة غير المريحة والمربكة التي تعرض لها الفنان محمد حمدي فقد لا يكرر مستقبلاً الدعوة إلى زيارة أماكن أخرى معرضة للإزالة، فكل ما يهمه على أي حال كما يقول، هو نشر الجمال في ربوع مصر، وليس الاحتجاج على طمس المعالم ذات القيمة التاريخية والثقافية.

٠ تعليق

Comments


bottom of page